شهدت مدينة طنطا بمحافظة الغربية، خلال الأيام الماضية، احتفالات ضخمة بمولد السيد أحمد البدوي (توفي 1276م)، أحد أبرز أقطاب التصوف الإسلامي ومؤسس الطريقة البدوية، حيث تجمع ملايين الزوار في أجواء روحانية مليئة بالذكر والمدائح النبوية.
المولد، الذي يُعد أكبر التجمعات الدينية في مصر بعد الحج، أثار جدلاً واسعًا على وسائل التواصل، بين مؤيدين يرونه جزءًا من ميراث الأمة الإسلامية، ومنتقدين يعتبرونه بدعة أو شركًا.
موقف الطرق الصوفية: احتفال مشروع وتراث مقدس
أصدر المجلس الأعلى للطرق الصوفية، برئاسة الدكتور عبد الهادي القصبي، بيانًا رسميًا يوم 19 أكتوبر 2025، يصف الجدل بـ”المصطنع والمفتعل”، مؤكدًا أنه “لا يستند إلى علم أو نية صالحة، بل محاولة لإثارة ضجيج إعلامي على حساب التراث الروحي للمجتمع المصري”.
وأكدوا أن السيد البدوي “إمام قطب عارف من آل البيت”، وأن الطعن في نسبه أو ولايته محرم شرعًا، مستندين إلى قوله تعالى: “أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (يونس: 62).
الاحتفال الرسمي، الذي حضره وزير الأوقاف أسامة الأزهري ومفتي الجمهورية الأسبق علي جمعة، شمل تلاوة القرآن واستذكار سيرته الوطنية، بعيدًا عن “اللهو أو المبالغة”.
ودافع جمعة عنه قائلًا: “مهاجموه أصحاب عقيدة فاسدة لا يفهمون روح التصوف الإسلامي، وإحياء الموالد ليس شركًا أو بدعة”.
الانتقادات: بدعة وتجاوزات تُشبه الشرك
من جهة أخرى، أثار الاحتفال غضبًا بين بعض الدعاة السلفيين، مثل أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر سعد الدين الهلالي، الذي وصفه بـ”إسلام سياسي قائم على الأمية وحشد الناس بصفارة”، محذرًا من “المتاجرة بأسماء الموتى” كشكل من الشرك والتضليل.
كما انتشرت على إكس فيديوهات تظهر تجاوزات مثل الرقص الشعبي والطقوس الجماعية، مما دفع ناشطين إلى وصفها بـ”انتكاس الفطرة” أو “خرافات خزعبلات”، مقارنين إياها بطقوس كربلاء أو حتى “كنيس الشيطان”.
بعض المنشورات طالبت بـ”التوحيد أولًا”، معتبرة التقديس الزائد تضليلًا يُشجع عليه “أذناب الكفر”.
التوازن بين التراث والشرع
يُعد مولد السيد البدوي، الذي يجذب أكثر من مليون زائر سنويًا، موروثًا اقتصاديًا واجتماعيًا لمدينة طنطا، حيث يُشبهه بعض السكان بـ”أهم حدث في السنة” لدعمه التجارة والسياحة الدينية.
وفقًا لدار الإفتاء المصرية (في فتوى سابقة عام 2016)، الاحتفال مشروع إذا كان “شكرًا لله وفرحًا بيوم ميلاد الأولياء”، مستندًا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامه يوم ميلاده.
أما الهلالي، فيطالب بـ”إطار ديني صحيح” دون مبالغة في التعلق بالأموات.
الجدل يعكس انقسامًا أعمق بين التصوف الشعبي والسلفية، لكنه يؤكد أن المولد يظل رمزًا للوحدة الروحية في مصر، طالما التزمت الشعائر بالوقار.