أخبار عاجلة

نهاية مفجعة لفيلسوف تحدى الله

نهاية مفجعة لفيلسوف تحدى الله ، وهو فريدريك نيتشه اتهم بالكفر ، كما لقب بفيلسوف الإرادة والإنسان السوبر مان ونهايته كانت مفجعة وقاسية، نهاية مفجعة لفيلسوف تحدى الله .

 

 

نشأ  فريدريك فيلهيلم نيتشه في مدينة روكي بألمانيا عام 1844م، وقد سماه والده بهذا الاسم تيمنًا بملك بروسيا، على الرغم من أصوله البولندية، وكان الأب ينحدر من أسرة عريقة، كانت تبغي دومًا الوصول والارتقاء بالإنسان إلى المستوى المثالي أو مستوى السوبرمان، أي الإنسان فوق العادي.

 

الغريب أن الأب كان صاحب جسد هزيل ولديه أمراض عديدة، أي أنه كان متناقضًا مع ما كانت عائلته الموغلة في الأرستقراطية تنادي به، وورث الابن كل هذا عن الأب، وفي يوم ما وقع الأب من على سلم المنزل في إحدى نوبات المرض، ليصاب بشلل في المخ، ويموت بعدها بعدة شهور، على مرأى من ابنه الصغير، الذى كان في السابعة من عمره وقتذاك، مما كان له أبعد الأثر في حياته بعد ذلك.

 

 

وبعد وفاة والده، خضع لنفوذ أمه وجدته وعمتيه، وكانت أخته هي الوحيدة التي تهتم به، عدا ذلك كان يعيش في وحدة مروعة، وزملاء المدرسة يسخرون من جسده الضئيل، وضعف بصره يمنعه من القراءة الطويلة، التي كان يجد فيها متعته وسلواه. وأصبح ظلام الليل والوحدة هما ملجآه وأمانه.

 

 

وفي ظل وحدته والسكون المحيط به، شغف نيتشه بسماع الموسيقى، وعاش مع نغماتها أحلام القوة التي كان يفتقدها في حياته. وحين بلغ سن الشباب والتحق بجامعة بون، تاقت نفسه للهو والعبث، فعكف على شرب الخمور وارتياد علب الليل، إلا أنه لم يستطع أن يستمر في هذا الطريق، وانتقل إلى جامعة ليبزج، وهناك بدأ الشك والتساؤل يملآن عقله.

 

 

فكيف لهذا الجسد الهزيل الذي يحمله أن يحوي روحًا قوية،تتوق إلى التنعم بالملذات الحسية، ويشعر بأنه لا يختلف عن أقرانه؟

 

قاده تفكيره إلى أن القديسين الذين يدعون إلى كبت شهوات النفس ما هم إلا أشخاص عاجزون مثله، وقد قاموا بخداع الناس من حولهم لمداراة عجزهم، ورأى أن الدين لا يبشر بالحياة بل يدعو إلى إنكارها! وذهب إلى أن الإرادة وحدها هي الكفيلة بتمكنه من التغلب على أمراضه.

 

اعتنق مبدأ أن الإرادة مشيرا إلى أنها  أساس التغيير، وهونفس المبدأ الذي آمن به  الفيلسوف الألمانى الشهير شوبنهاور، وإن كان نيتشه اختلف عنه في أنه يرى أن الإنسان يجب أن يستخدم الإرادة ليحيا وليس لكي يموت مثلما نادى به شوبنهاور، وكان في هذا الوقت من التاريخ بدأت تتناهى إلى الأسماع ما يقوم به فقراء الهنود من سير على الجمر الملتهب، والبعض الآخر يقوم بإيقاف تنفسه، ويدفن لعدة ساعات، ويخرجونه بعد ذلك حيًا يرزق.

 

 

وانتشر  وباء الكوليرا في المدينة التي يعيش بها نيتشه ففر منها، ليتم استدعاؤه إلى أداء الخدمة العسكرية، وعلى الرغم من محاولته بشتى الطرق والمبررات التهرب منها، فإنه في النهاية جُنّد بسلاح الفرسان، حتى حدث له حادث فسرح على إثره من الجيش. ذهب إلى جامعة بال وأصبح أستاذ كرسي اللغات بها، رغم عمره الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين حينذاك.

 

 

وبعدها  قامت الحرب بين ألمانيا وفرنسا، ليتم استدعاؤه من جديد في الجيش، وأصبح عمله هو تمريض الجنود الجرحى، ووسط أهوال الحرب وضحاياها من الجنود البؤساء، بآلامهم وإصابتهم والعاهات التي ابتلوا بها، انفجرت نفس نيتشه سخطًا وغضبًا على الدين وما يبشر به رجاله من نعيم.

 

ومرض  نيتشه مرضًا شديدًا، وذهب للاستشفاء في الجبال. قادته تأملاته وسط الجبال إلى أن الألم هو سبيل الوصول إلى الحرية، وأن من يريد أن يعرف طعم السعادة الحقيقية، لا بد له أن يتذوق معنى البؤس والشقاء. وأن من لا يتألم ويفر من أحزانه هم أشخاص تافهون قصيرو النظر.

 

أطلق نيتشه شاربين غزيرين، رغبة منه في الظهور بمظهر اللامبالي بشيء والمحتقر لكل شيء. اشتدت نوبات الصداع على رأسه، وصارحه طبيبه أنه معرض للإصابة بشلل في المخ مثل أبيه.

 

واستولى الهلع عليه وفر إلى الجبال مرة أخرى للاستشفاء، ثم إلى روما ليقابل فتاة تدعى لو فون سالومي، كانت معجبة بأفكاره، عرض عليها الزواج، وعندما رفضت، اعتقد أنها تريد العيش دون زواج أو قيود، لكن اتضح أنها لم تكن تعني ذلك أيضًا، وفضلت عليه رجلًا آخر ليس فيلسوفًا مثله.

 

 

وأثر هذا الموقف كثيرًا عليه، وجعله يجهر بآراء صادمة يحطم بها قيم الخير والشر، ويهاجم الدين والإله. وابتعد عنه أصدقائه القليلين نتيجة آرائه هذه، ليعود مرة أخرى يجتر حزنه وحيدًا.

 

 

ذهب نيتشه إلى أعالي الجبال في إيطاليا ليمارس هوايته في التأمل، وهناك ألّف كتابه الشهير «هكذا تكلم زرادشت»، وقد قام بكتابته بشكل أدبي فريد كمعظم كتاباته، فجاء على شكل ملحمة من الشعر المنثور، وقد تأثر فيه بالفيلسوف الإيراني زرادشت، مؤسس الديانة الزرادشتية. تحدث فيه عن الإنسان السوبرمان، ونسبية الخير والشر، وذمَّ المرأة ذمًا شديدًا، ودعا إلى هدم الدين واستبدال الآلهة بالإنسان المتفوق أو السوبرمان.

 

 

فشل فشلًا ذريعًا في توزيع الكتاب، بعد أن طبع منه أربعين نسخة على نفقته الخاصة. لكن الكتاب بعد وفاته لاقى رواجًا وشهرة كبيرة. ويعده البعض واحدًا من أقوى مائة كتاب في تاريخ الإنسانية.

 

 

بعد كتابه هذا أخذ يتنقل من مدينة إلى أخرى داعيًا إلى السلام، ومحذرًا من الحروب التي تنبأ بأنها ستقوم بين الحكومات الأوروبية، وكان على حق في هذا التنبؤ.

 

وفي العام 1889 كان قد بلغ الخامسة والأربعين من عمره، ليصاب عقله بالجنون، حتى وافته المنية بعدها بعام في 1900م، لتكون نهاية رجل تحدى الآلهة، فكان أن فقد عقله في النهاية.