أخبار عاجلة

التعويذة.. قصة قصيرة

القاصة_فاطمة حمزة                 

ألا أُونا ألا دُو ألا تِري، ألف مبروك أستاذ محمد، كل التهاني لك المتجر أصبح ملكك.
كم أنا سعيد بتلك اللحظة، كيف كنت منذ سنوات مضت لم أتخيل حينها أني سأكون مالكًا لمتجر الطعام الذي كنت أعمل به مجرد سائق دليفري.. شيء ما ينقص من سعادتي، فعلى الرغم من امتلاكي لهذا المكان الذي سعيت إليه كل تلك السنوات إلا أني أشعر أن عمري سرق مني دون أن أكوِّن أسرة وأطفالًا كما كنت أتمنى لنفسي، طالت سنوات غربتي وبدأ الشيب يطرق رأسي، لا بأس يكفي أني أمتلك هذا المكان الآن، لا بُدَّ أنها هي تلك الكلمات التي كتبتها لي المرأة على ورقة خمسة الجنيهات، أتذكَّر كيف كانت مطوية، يومها ذهبت لتوصيل وجبة لها كانت قد طلبتها بالتليفون، وقفت على الباب أنتظر أن تأتيني بثمن الوجبة لأرحل، وقفت كثيرًا حتى مللت خرجتْ هي وأعطتني ثمن الوجبة وبقشيش خمسة جنيهات مطوية بشكل غريب وضعتها في جيبي ولم أفتحها إلا في المساء بعدما انتهيت من عملي وذهبت للمنزل، جلست أجمع ما حصلت عليه من بقشيش في ذلك اليوم، وجدت خمسة الجنيهات شغفتُ لفك طياتها ولم أجد بداخلها إلا بعض الكلمات مكتوبة عليها بخط عريض تقول: يومًا ما ستكون أنت صاحب ذلك المكان الذي تعمل به، آه لو أجد تلك المرأة الآن أتذكر أنها كانت قريبة من هنا لكني لا أتذكر العمارة على وجه الدقة ولم أهتم وقتها فلم أصدق تلك الكلمات ولكني احتفظت بخمسة الجنيهات في محفظتي لعل النبوءة تتحقق يومًا ما وها هي فعلًا قد تحققت، لن أستسلم سوف أبحث عن تلك المرأة صاحبة النبوءة حتى لو اضطرني الأمر لأنْ أدق أبواب كل شقق المنطقة.
كان ذلك منذ عدة سنوات عندما أشار لي مديري بالعلم بأن عقدي قد أوشك على الانتهاء وقد لا يجدد لي مرة أخرى، حينها كنت على مشارف الخمسين من العمر والمكان أصبح لا يصلح لمثلي فالعمل في فندق مشهور يتطلب سنًا صغيرة، أنهيت عملي وعدت إلى شقتي أنظر في مرآتي لأرى بعض شعيرات بيضاء تخللت جانب رأسي، جلست أفكر ماذا بعد أن أفقد عملي! فليس لدي دخل يكفيني، مدخراتي لن تصمد إلا سنوات قليلة ولا أجد بعدها ما يسترني، ماذا بعد أن يلتهم الشيب رأسي وتضعف قواي؟ لم يرزقني الله بالأبناء لا يوجد من يعينني في كبري ماذا أفعل؟

ما هي إلا دقائق وأمسكت بجهازي المحمول، طلبت ثلاثة طلبات من ثلاثة أماكن مختلفة، أحضرت ثلاث ورقات مالية بعملة خمسة الجنيهات كتبت على كلٍّ منها كلمات لها شكل النبوءة وطبَّقت الورقات بشكل مميز كالهرم ليكون لمن أعطيها له شغف فتحها لقراءة ما بها. جاء الشخص الأول وكان ممرضًا في صيدلية بأول الشارع طلبت حقنة فيتامين لم أكن بحاجة إليها أعطيته خمسة الجنيهات الأولى مكتوبًا عليها: يومًا ما ستكون أنت من تملك تلك الصيدلية، أما الثاني فكان سائق دليفري تركته بالخارج فترة حتى ملَّ الوقوف ثم خرجت وأعطيته ثمن الوجبة وخمسة الجنيهات مكتوبًا عليها: يومًا ما ستكون أنت صاحب ذلك المكان الذي تعمل به، أما الثالث، هو ابن حارس العقار الصبي الذي لم يبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا وقتها طلبت منه بعض البقالة وأعطيته خمسة الجنيهات مكتوبًا عليها: يومًا ما ستكون أنت مالك تلك البقالة التي تأتيني منها ببقالتي الشهرية…
لا أعرف أكانت مجرد كلمات على ورقة أم تعويذة تحقق لمن يقرؤها ما هو مكتوب بها، الآن وقد هرمت ولم أعد أملك ما يؤويني ولكني ملكت شيئًا أهم من ذلك؛ ملكت التحكم في أحلام هؤلاء، جعلتهم يعملون لسنوات من أجلي، يتحدون الصعاب لأهنأ أنا، يهرولون في الحياة لأنعم بها، كان لا بُدَّ من أحد يعمل من أجل أن أحيا وإلا متُّ جوعًا ومرضًا، أجلس في بيتي الآن يأتيني دوائي شهريًّا بالمجان من الصيدلية بأول الشارع بعد أن أصبح الممرض دكتورًا يعمل بها فقد علمت أنه بعد قراءته لتلك الكلمات درس ثانوية عامة وحصل على مجموع كبير ودخل كلية الصيدلة وأصبح دكتورًا في نفس الصيدلية التي كان يعمل بها ممرضًا وهو الآن يشارك صاحبها بها، أما الصبي ابن حارس العقار وكأنَّ شيطانًا تلبسه ذلك الأخرق، رأيته يعمل ليل نهار بالبناية بلا توقف كآلة، بل وبجانب ذلك عمِل سمسارًا واتفق مع بوابين العمارات المجاورة ليأتي لهم بالزبائن لتسكين الشقق الفارغة، أصبح لديه ميكروباص يأتي بزبائنه الخليجيين من المطار وكثيرًا ما كان يقع شجار بينه وبين بوابين البنايات المجاورة على أموال السمسرة فكان يطمع بها، وأصبح له شقة يؤجرها مفروشة ولم يكتفِ بذلك بل عرض على صاحب البقالة مبلغًا كبيرًا لشراء بقالته ولكنه رفض وفي ليلة سوداء استيقظنا على حريق هائل بالبقالة دمرها بالكامل.
لم يسلم الصبي من الاتهامات بأنه هو الفاعل وخاصة بعد عرضه على صاحبها بأن يدفع له في إعادة تجهيزها على أن يشاركه فيها بالنصف، وافق صاحب البقالة على مضض. يرسل إليَّ الصبي بقالتي شهريًّا دون أن يطالبني بثمنها.
أسمع جرس الباب.. من يأتي في ذلك الوقت، ليس هذا ميعاد الصيدلي ولا البقال سأقوم لأفتح الباب.
– السلام عليكم سيدتي أتذكرينني؟ أتيت هنا منذ عدة سنوات وكنت حينها سائق دليفري، أعطيتني خمسة جنيهات كتبت عليها نبوءة وقد تحققت بالفعل ولكِ مني وجباتك اليومية دون أي مقابل مادي.
– انتظرتكَ وكنت أعرف أنك ستأتي، أين كنت كل تلك السنوات؟
– بعد أن قرأت نبوءتك لم أصدق ما بها عملت لعدة أشهر في المتجر ثم تركته وذهبت للعمل بالنقاشة في شركة مقاولات عقارية فأنا في الأصل خريج فنون جميلة وأجيد شغل النقاشة والرسم على الجدران، تعاقدت معي الشركة على عقد عمل بمشروع لها في إحدى دول الخليج سافرت واستمريت هناك لعدة سنوات وها أنا قد عدت محملًا بالأموال، انتظرت حتى إعلان صاحب المتجر عن بيعه وذهبت للمزاد، حصلت عليه وها أنا أمامك الآن أحمل لك الجميل وأريد مكافأتك على نبوءتك..
-لم تكن نبوءة بل هي تعويذة تحمل لمن يقرؤها ما بها من خير وعليَّ أن أحذرك فإن لم تستمر بوعدك لي في إرسال الوجبات سوف تنقلب عليك التعويذة وتفقد المتجر وتعود كما كنت سائق دليفري..